الخميس، 8 يناير 2009

حارس الزنزانــــة

بأيدٍ ثقيلة قوية انتزع مفاتيحه الحديدية ليغلق الباب وفى عنف, ونظرة نارية من خلف القضبان سقطت على السجين فألهبته نيران الخوف فصار رمادآ منكمشآ فى مكانه .. وابتسامة قوة فى وجه الحارس تشوبها مرارة اليأس وهو يذهب إلى السجَّان ليعطيه مفاتيح السجن ومقاليد الحكم , ليطمئن أن السجين قد اغلقت عليه زنزانته ليهدأ له النوم, كى يستطيع ان يبدأ يومآ جديدآ من القهر و الظلم .
غير مبالٍ بذلك السجين القابع فى الظلام وما يحمله عقله من حلم , ذلك الحلم بالحرية والثورة التى تبدد الظلام وتفرض النور فى كل ركن , ذلك الحلم الذى يدفعه إلى الصراخ والثورة غير مكترثٍ بـأثر سياط الحارس على جسده كأنه وشم .
ذلك الحارس لا يعلم سوى ما أخبره به سيده أن يفعل دون شفقة أو حلُم, أن يقسو ويقهر ، أن يعذب الجسد حتى يستسلم العقل ويخبو النور لكن الذى أثار الحارس عجبآ أن السجين لم يكن له طلب , أن السجين ظل قابعآ مستكين لا يطلب الشفقة أو الرحمة أنه ما زال يردد على لسانه جملة واحدة :
" الحرية .. الحِـلم "
ولطالما جاءته تلك الكلمات فى أحلامه وكثيرآ ما تلعثم بها فى منامه فيفيق فزعاً ، كيف يحدث له هذا ؟
سوف يزيد السجين عذابـاً هذه المرة , لربما كان هو السبب فى تلك الغصة المره .
لـٰـكن الحارس فوجىء بالسجين يزداد إيماناً وتمسكاً , إن ثورة السجين فى قلبه مازالت تستعر , ولـٰـكن كيف هذا ؟
لقد ظن أنه المنتصر , أنه بسوط العذاب سوف يهدأ كل شىء ويستقر , ويذهب إلى السجان ليغدق عليه المال المنهمر .
لكن ثورة السجين تزداد قوة وأمل ، وقوته تخور و تضمحل , وكأنه يستمد منه القوة ، يسحبها من شرايين حياته أو أن الأيام نقضت عهدها معه فأصابته بضعفها حتى مماته , أم تراه الحقُ يسلبه أرادته ويضعف عزيمته ويتركه في زيف الباطل وسطوته .. ضعيف شريد مسلوباً كرامته .
فى ذلك اليوم أغلق الحارس باب الزنزانه وهو لا يدرى هل يغلقها على السجين ؟؟!! أم على نفسه ؟؟!!
لقد أدرك حينها شيئاً جديداً ، أن ثورة السجين لن تجدي نفعاً بين القضبان الباردة ، وأن الثورة يجب أن تأتي منه هو .. حارس الزنزانه .